الوظيفة العمومية دراسة مقارنة

مقدمة .

المبحث الأول :الإطار المفاهيمي والتاريخي للوظيفة العمومية في الأنظمة المقارنة.

المطلب الأول : المفهوم النظري للوظيفة العمومية و سماتها الأساسية في الأنظمة المقارنة.

الفرع الأول : المفهوم النظري للوظيفة العمومية في الأنظمة المقارنة .

الفرع الثاني : السمات الأساسية للوظيفة العمومية في الأنظمة المقارنة.

الفقرة الأولى : السمات الأساسية للوظيفة العمومية في النظام المفتوح ( الولايات المتحدة الأمريكية نموذجا ).

الفقرة الثانية : السمات الأساسية للوظيفة العمومية في النظام المغلق ( فرنسا والمغرب ).

أولا : السمات الأساسية للوظيفة العمومية في فرنسا .

ثانيا : السمات الأساسية للوظيفة العمومية في المغرب.

المطلب الثاني: الإطار القانوني للوظيفة العمومية .



الفرع الأول: الإطار القانوني للوظيفة العمومية بفرنسا .

الفرع الثاني : الإطار القانوني للوظيفة العمومية بالمغرب .

المبحث الثاني : واقع وآفاق إصلاح الوظيفة العمومية بالمغرب .

المطلب الأول : واقع الوظيفة العمومية بالمغرب وفرنسا .

الفرع الأول :قدم النصوص القانونية المتحكمة في الوظيفة العمومية وتعددها .

الفرع الثاني : إشكاليات التوظيف والمغادرة الطوعية .

الفقرة الأولى : التوظيف .

الفقرة الثانية : المغادرة الطوعية .

الفرع الثالث : علاقة الموظف بالحياة السياسية ومدى ممارسته حق الإضراب.

الفقرة الأولى : علاقة الموظف بالحياة السياسية .

الفقرة الثانية : ممارسة حق الإضراب .

أولا : ممارسة حق الإضراب في الدراسات المقارنة .

1 ـ التجربة الفرنسية .

2 ـ التجربة البريطانية .

3 ـ حق الإضراب في الولايات المتحدة الأمريكية .

4 ـ الإضراب في التشريع المصري .

ثانيا : حق الإضراب في الوظيفة العمومية بالمغرب .

1 ـ حق الإضراب بين النص القانوني والممارسة.

2 ـ حق الإضراب في الاجتهاد القضائي المغربي.

الفرع الرابع : واقع الوظيفة الجماعية المحلية .

المطلب الثاني : آفاق إصلاح الوظيفة العمومية بالمغرب وفرنسا .

الفرع الأول : آفاق إصلاح الوظيفة العمومية بالمغرب .

الفرع الثاني : آفاق إصلاح الوظيفة العمومية بفرنسا .

خاتمة .

مقدمة

تعتمد الإدارة لأداء نشاطها على مجموعة من الوسائل ، قد تكون هذه الوسائل قانونية تتمثل في القرار الإداري والعقود الإدارية ، وقد تكون وسائْل مادية تتجلى في الأموال العمومية ( أموال الدومين العام )، كما يمكن أن تكون وسائْل بشرية تتجسد واقعيا وفعليا في الموظفين العموميين .

من هنا تأتي أهمية موضوع الوظيفة العمومية لأنه مجال مرتبط بتطور الدولة ، فبقدر اتساع الوظائف التي تقوم بها الدولة بقدر احتياجها إلى المرافق العامة ، واحتياجها إلى إطار قانوني فعال لتنظيم هذه المرافق وخاصة ما يتعلق بالعنصر البشري .

فالدولة الحديثة أصبحت هي المسؤولة عن التخطيط للتنمية بإبعادها المختلفة ، لذا يتعين عليها تنمية الإدارة عبر تطوير أجهزتها وتبسيط إجراءات العمل ، والاهتمام بالعنصر البشري الذي هو الأداة الفاعلة والمتحركة داخل الجهاز الإداري برمته. لذا يجب أن يتضمن النظام القانوني للوظيفة العمومية القواعد التي تكفل حسن اختيار الموظفين عند التعين وأثناء العمل ، وأن تضمن لهم مستوى معيشي جيد حتى يقدموا الخدمة العامة للمرتفقين بطريقة فعالة ومتضمنة لكل مواصفات الجودة .

إن الوظيفة العمومية بهذا المعنى تعتبر من أهم المرافق التي تقدم الخدمة عبرها للمواطنين باسم الدولة ، وذلك في صورة نشاط إداري يقوم به الموظفون على مستوى مختلف الإدارات العمومية والجماعات المحلية مركزيا وجهويا ومحليا. حيث تغدو الوظيفة العمومية أداة أساسية في يد الدولة لدعم التنمية وإشباع حاجيات المواطنين.

إن مفهوم الوظيفة العمومية يبرز على مستويين :

1ـ مستوى المضمون : ويتعلق أساسا بالنشاط الإداري أو الخدمات الإدارية والموظفون الذين يقومون بهذا النشاط ويقدمون هده الخدمات. فتدخل الدولة في هذا المضمار يعد ضروريا لإشباع الحاجات العامة حسب ما تقتضيه المصلحة العامة ، وتدخل الدولة يتخذ في الغالب صورة المرفق العام خاصة إذا أخذت بوسائل القانون العام في تحقيق نشاطها . إذ إن تدخل الإدارة عبر المرفق العام من أهم صور النشاط الإداري في تحقيق المصالح العامة و أكثرها انتشارا في الوقت الحاضر. وبالتالي أصبحت فكرة المرفق العام المحور الأساسي الذي تقوم عليه الدراسات الإدارية بصفة عامة ونشاط الإدارة بصفة خاصة . وفكرة المرفق العام مرتبطة بضرورة تلبية الاحتياجات الجماعية، وبما أن هذه الاحتياجات العامة قد عرفت تطورات مختلفة نتيجة تطور الظروف الاجتماعية والاقتصادية المختلفة فان ذلك قد انعكس بالتبعية على مفهوم المرفق العام.

2 ـ المستوى الثاني : وهو مستوى الشكل، والذي يخص مجموعة القوانين المتحكمة في المسار الوظيفي للموظف وطريقة تسيير الإدارة. و يتمثل هذا الأمر قي النظام القانوني للوظيفة العمومية الذي يعد الحجر الأساس قي تنظيم نظام الوظيفة العمومية ، نظرا لكونه يعكس واقع الوظيفة العمومية وينظم مركز الفاعلين فيها مثل حقوق وواجبات الموظفين. لذا ينبغي التركيز على تطوير هذا النظام القانوني بالنسبة للمغرب وذلك من خلال مقارنته بنظيره في فرنسا لمعرفة مدى الانسجام ومدى الاختلاف بين النظامين ، خصوصا وأن نظام الوظيفة العمومي الصادر بظهير 1958 استمد معظم نصوصه من نظام الوظيفة العمومية في فرنسا. هذا الأخير شهد عدة تعديلات وإصلاحات لمواكبة التطور الحاصل قي هذا المجال بينما بقي نظام الوظيفة العمومية المغربي دون إصلاحات حقيقية رغم ما يشهده واقع الوظيفة العمومية من إشكالات حقيقية.

من هنا يمكن طرح الإشكالية التالية :

ما هو واقع وآفاق نظام الوظيفة العمومية المغربي بالمقارنة مع نظيره الفرنسي ؟

وسنحاول ملامسة بعض جوانب هذه الإشكالية من خلال مبحثين :

المبحث الأول : الإطار المفاهيمي للوظيفة العمومية في المغرب وفرنسا.

المبحث الثاني : واقع وآفاق الوظيفة العمومية في المغرب.

المبحث الأول : الإطار المفاهيمي والتاريخي للوظيفة العمومية في الأنظمة المقارنة.

المطلب الأول : المفهوم النظري للوظيفة العمومية و سماتها الأساسية في الأنظمة المقارنة.

سنتعرض في هذا المطلب إلى مفهوم الوظيفة العمومية ( الفرع الأول ) فيما سنحاول التطرق إلى بعض السمات الأساسية للوظيفة العمومية في الأنظمة المقارنة ( الفرع الثاني ).

الفرع الأول : المفهوم النظري للوظيفة العمومية في الأنظمة المقارنة .

تعتبر الوظيفة العمومية من أهم المرافق الإدارية التي تعنى بشؤون الموظفين والموظفات بدءا بالتوظيف وانتهاء بالتقاعد مرورا بكل الواجبات والحقوق التي تربط الموظف بمشغله المتجسد في الدولة.

كما تعتبر من جهة أخرى من أهم المرافق التي تقدم خدماتها باسم الدولة للمواطنين بواسطة النشاط الإداري الذي يقوم به الموظفون على مستوى مختلف الإدارات العمومية والجماعات المحلية مركزيا وجهويا ومحليا.

وعموما فإن للوظيفة العمومية مفهومان هما: المفهوم الشخصي والمفهوم الموضوعي .

v المفهوم الشخصي : يعتبر الوظيفة العمومية مهنة يتفرغ لها الموظف ويكرس لها حياته ، ويتمتع بمزايا وحقوق وضمانات تختلف عما هو مقرر للوظائف الخاصة .

v المفهوم الموضوعي : لا تعتبر الوظيفة العمومية مهنة ، إنما تعتبر عملا تخصصيا له خصائص محددة يحتاج في ممارسته إلى شخص فني متخصص له خبرة ودراية بالعمل الذي سيتولى أعباءه ويمارس مسؤولياته .

وبهذا المعنى فإن الوظيفة العمومية أداة أساسية في يد الدولة لدعم التنمية وإشباع حاجيات المواطنين . وانطلاقا من هذا التعريف المركب يمكن استنتاج مدلولين اثنين للوظيفة العمومية:

v الأول : على المستوى المضمون والمتعلق بالنشاط الإداري أو الخدمات الإدارية والموظفين الذين يقومون بهذا النشاط ويقدمون هذه الخدمات.

v الثاني : على مستوى الشكل ويخص مجموعة القوانين المتحكمة في المسار الوظيفي للموظف وطريقة تسيير الإدارة .

وتجدر الإشارة إلى أن المستوى الأول يجد مدلوله في الاختيار التنموي للبلد أما المستوى الثاني فيتم التعبير عنه في إطار النظام الأساسي للوظيفة العمومية.

ولاستيعاب مفهوم الوظيفة العمومية في بلد ما يجب أن نقر أن سمات و خصائص الوظيفة العمومية تختلف تبعا لاختلاف العوامل المؤثرة فيها من تاريخية واقتصادية وسياسية وثقافية.

إلا أن هناك تيارين تتمحور حولهما مختلف أشكال الوظيفة العمومية :

· النظام الأمريكي : الذي يعتبر الوظيفة العمومية كنظام للتشغيل و كعلاقة تعاقدية وهو ما يصطلح عليه بالنظام المفتوح .

· النظام الفرنسي : حيث الوظيفة العمومية مهنة دائمة تتميز بالدوام و الثبات و الاستقرار وهي بالتالي علاقة تنظيمية تعاقدية ، وهو ما يطلق عليه بالنظام المغلق .

أما بالنسبة للوظيفة العمومية في المغرب ، فباستثناء بعض الوظائف التي يمكن أن تدخل في إطار النظام الأمريكي كلجوء الإدارة إلى التعاقد مع بعض الأعوان لملء فراغ حاصل في بعض المهام ( التلفزة ، أعضاء دواوين الوزراء ...) فإنها وظيفة دائمة كالنظام الفرنسي استمدت أحكامها في جوهرها من القانون الفرنسي لسنة 1946 .

الفرع الثاني : السمات الأساسية للوظيفة العمومية في الأنظمة المقارنة.

الفقرة الأولى : السمات الأساسية للوظيفة العمومية في النظام المفتوح ( الولايات المتحدة الأمريكية نموذجا ).

يطلق على الوظيفة العمومية في الولايات المتحدة الأمريكية الخدمة المدنية حيث تتميز بعدم الاستقرار والدوام وهو ما يطلق عليه بمبدأ تأقيت الوظيفة العمومية الذي أطلقه الرئيس الأمريكي جيفرسون وذلك لفتح الفرصة المتكافئة أمام جميع المواطنين لشغل الوظائف العمومية ، وتم إقرار هذا المبدأ من طرف البرلمان الأمريكي سنة 1920 وبالتالي حددت شغل المناصب في إدارة الدولة بأربع سنوات. كما توسع هذا المبدأ على يد الرئيس جاكسون وأصبح مبدأ عاما يقضي باعتبار الوظائف العمومية غنيمة للحزب المنتصر في الانتخابات[1].

كما أن الأخذ بفكرة تأقيت الوظيفة مرده إلى أن دائمية الوظيفة تجعل الموظف ينظر إليها كنوع من الملكية الخاصة يستغلها لصالحه على حساب الصالح العام ، والتي يمكن أن تشكل اعتداء خطيرا على الحرية الفردية [2] ، بالإضافة إلى أن المناداة بهذا المبدأ فرضتها فكرة المساواة التي يعيشها الأمريكيون .

وينتج عن مبدأ تأقيت الوظيفة العمومية أن الموظف خلال شغله لهذا المنصب لا يتمتع خلالها بأي امتيازات تضمن له حق البقاء في الوظيفة ، إذ بإمكان الإدارة إنهاء خدمته متى شاءت ولأي سبب ، وبالمقابل فإن للموظف حق الاستغناء عن وظيفته في أي وقت بمجرد إشعاره للإدارة بفترة زمنية مناسبة، وهكذا فإن الوظيفة في النظام الأمريكي ليست حقا من حقوق الأفراد وإنما تعد تكليفا لخدمة المجموع [3].

الفقرة الثانية : السمات الأساسية للوظيفة العمومية في النظام المغلق ( فرنسا والمغرب ).

أولا : السمات الأساسية للوظيفة العمومية في فرنسا .

تقوم الوظيفة العمومية في فرنسا على مبدأ دائمية الوظيفة ، بمعنى أن يتفرغ لها الموظف مدى حياته الإدارية تحقيقا للمصلحة العامة ، ويربط مستقبل حياته بمستقبل الوظيفة ذاتها وبما هو مقرر لها من ضمانات تكفل له الحصول على مزايا تزداد كلما تقدمت به السن في الوظيفة [4] ولا يكون له حق مطالبة الدولة بحقوق ومطالب مهنية ويخضع للسلطة الرئاسية خضوعا تاما تكاد تختفي شخصيته وراء شخصية الرئيس الذي يسأل عنه سياسيا ، وينفرد بضمانات خاصة وتفرض عليه التزامات خاصة يتحملها وحده دون الأفراد العاديين .

وقد استمدت الوظيفة العمومية معناها ومفهومها من طبيعة وصيغة التطور السياسي الذي عرفته فرنسا بعد ثورة 1789 التي أحدثت تغييرا جذريا في الفكر الاجتماعي والسياسي وأقرت مبادئ متعلقة بالحرية والديمقراطية والمساواة انعكست بشكل إيجابي على الوظيفة العمومية [5] .

إن أهم ما يميز هذا النظام هو اتسامه بالدائمية والاستمرارية وهو ما يعبر عنه بنظام السلك الذي يعتمد على دائمية الوظيفة التي من خلالها يحس الموظف بنوع من الاطمئنان على تأمين مستقبله ومستقبل أسرته [6].

إن الفرق الأساسي بين المفهومين الأمريكي والفرنسي للوظيفة العمومية هو أن الاتجاه الأمريكي يجعل منها نظاما للتشغيل لا يختلف في مجراه عن النظام المطبق على العاملين في القطاع الخاص ، أما النظام الفرنسي فإنه يجعل منها نظاما لمهنة دائمة ، وهذان المفهومان تأثرا بمفهوم الدولة في كلا النظامين .

فإذا كان النظام الأمريكي لا ينظر إلى الدولة نظرة الإجلال والتعظيم ، فإن النظام الفرنسي على العكس من ذلك يميل إلى تعظيم دور الدولة وإمدادها من الوسائل ما يمكنها من تحقيق المصلحة العامة ، مما دعا إلى تمتيع الإدارة بامتيازات هامة وخضوعها لقانون يغاير القانون الخاص وهو القانون الإداري وهو نفس الاتجاه الذي تبناه المشرع المغربي .

ثانيا : السمات الأساسية للوظيفة العمومية في المغرب.

إن الظروف السياسية والاجتماعية والتاريخية جعلت المغرب ينهل من النموذج الفرنسي الذي يتسم بدائمية شغل الوظيفة وشخصية شاغلها ، واعتبار الوظيفة العمومية عملا مستقرا يخضع لنظام قانوني متميز [7] ، يختلف عما هو معمول به في القطاع الخاص .

إن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية في المغرب يتميز بعدة سمات يمكن ذكرها كالآتي :

1) التوظيف يتم من طرف الإدارات المركزية التي تسهر على تطبيق قواعد شغل الوظائف العمومية من أجل تولية مناصب شاغرة وفق قانون واحد و موحد لإجراءات التوظيف في كل القطاع الحكومي .

2) التوظيف في النظام المغربي مطبوع باهتمامه بشخص الموظف ذاته .فالأولوية أعطيت للموظف على حساب الوظيفة . ويتضح هذا من خلال عدم تطرق النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية إلى الوظيفة باعتبارها مجموعة من المهام والأعمال وإنما تعرض لتعريف الموظف ، ولم يشترط لشغل الوظيفة سوى شروط شخصية وعامة وبعض الأوصاف اللصيقة بشخص الموظف . وهذا يبين أن المشرع المغربي يأخذ بشخصية الموظف على غرار النظام المغلق [8] .

3) يتسم التوظيف في ظل النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية بطابع الديمومة و ذلك تماشيا مع رغبة المشرع في خلق نوع من الاستقرار الوظيفي للموظفين و يظهر هذا من خلال محتوى الفصل الثاني من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي ينص على : " يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة ". وبهذا يعتبر المشرع دائمية الوظيفة واستقرارها بمثابة الركن الأول في تعريف الموظف و الركن الثاني هو ترسميه بعد قضائه فترة تربصية وجيزة. وبهذا فإن علاقة الموظف بالدولة هي علاقة نظامية أو تنظيمية أو لائحية une situation statutaire ou réglementaire [9] لا تعاقدية وهذا ما نص عليه المشرع المغربي حينما نص صراحة على الوضعية النظامية للوظيفة في الفصل الثالث من الظهير بتأكيده : " أن الموظف في حالة قانونية ونظامية إزاء الإدارة " وينتج عن هذه الوضعية ما يلي : الالتحاق بالوظيفة يتم بقرار إداري منفرد، ويتم تركها كذلك بقرار إداري [10].

4) ارتكاز التوظيف بالمغرب على الجانب المالي كما هو في سائر مختلف الدول التي تأخذ بالنظام المغلق في ميدان الوظيفة العمومية .

5) الموظف خاضع لأحكام عامة موجودة سلفا ،لا دخل له في وضعها أو تحديد محتواها وتسري على جميع الموظفين .

6) تعديل أحكام الوظيفة العمومية يعود للإدارة وحدها دون انتظار قبول أو رفض الموظف لها ، حتى وإن كان التعديل يمس بوضعيته القانونية ، ويجب أن يكون التعديل عاما ومجردا ، كما يجب أن يتم هذا التعديل بمقتضى قواعد تشريعية من نفس درجة القواعد المعدلة [11].

المطلب الثاني: الإطار القانوني للوظيفة العمومية .

مرت الوظيفة العمومية قبل أن تستقر في شكلها القانوني الحالي ، بمجموعة من المراحل التاريخية طبعتها عدة متغيرات ثقافية اجتماعية سياسية وقانونية...،ميزت كلا من التجربتين الفرنسية والمغربية ،علما أن التجربة الفرانكفونية أو اللاتينية أفادت المغرب بشكل كبير،فنظام الوظيفة العمومية المغربي الصادر سنة 1958 استمد جل أحكامه من القانون الفرنسي المنظم للوظيفة العمومية بفرنسا الصادر سنة1946 والذي خضع لعدة تغييرات.

الفرع الأول: الإطار القانوني للوظيفة العمومية بفرنسا.

سنتناول بالتحليل أهم المراحل التي ساهمت في خلق القواعد القانونية المنظمة للوظيفة العمومية بفرنسا بدءا من الثورة الفرنسية مرورا بفترة حكم دوغول إلى غاية وصول الاشتراكيين إلى الحكم سنة 1981 .

-المرحلة الأولى: ما قبل صدور النظام الأساسي للوظيفة العمومية (1946):

و نميز داخل هذه المرحلة بين فترتين أساسيتين وهما:

1 ـ الثورة الفرنسية :

منذ قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 حدث تغيير جذري في الفكر السياسي والاجتماعي ، أدى إلى ترسيخ مجموعة من المبادئ الأساسية من حرية و مساواة ، تلك المبادئ التي نجدها حاضرة على مستوى كل النصوص القانونية ، بما فيها الوظيفة العمومية ، و من أهم المبادئ التي أدخلت في هذا المجال إلغاء تفويت الوظيفة العمومية ، إقرار مبدأ المساواة في التوظيف ...

2 ـ النصف الأول من القرن العشرين:

ظهرت عدة مشاكل خاصة في الميدان الاقتصادي نتيجة ما خلفته الحرب العالمية الأولى والأزمة المالية سنة 1929 وقيام الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي دفع النقابات في مجال الوظيفة العمومية إلى لعب دور لا يستهان به،مما اضطر المشرع الفرنسي إلى إدخال عدة تعديلات، كإعادة تقييم مرتب الموظف وتأمين وضعيته الإدارية، إلا إن هذا القانون علق أمر تطبيقه على مراسيم تنظيمية لاحقة، والتي لم تخرج للوجود،فاضطرت السلطات الفرنسية إلى إلغائه بعد التحرير [12].

- المرحلة الثانية: من صدور القانون المنظم للوظيفة العمومية إلى صدور القانون الأخير لسنة 1983 .

عرفت هذه الفترة إصدار مجموعة من القوانين والمراسيم والقرارات تنفيذا للاتجاهات السابقة ،نذكر منها:

- الأمر الصادر في 9 أكتوبر 1945 المتعلق بنظام فئات من الموظفين خاصة كبار الموظفين في الإدارة المركزية، كما تم إنشاء المدرسة الوطنية للإدارة.

- القانون الصادر في 19 أكتوبر 1946 وبالضبط بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ،الذي يعد بمثابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية بفرنسا،والذي سيتم تغييره فيما بعد نظرا لتغيير الظروف الاقتصادية والاجتماعية و السياسية للإدارة الفرنسية وتبعا لهذا التطور صدرت مجموعة من القوانين والمراسيم التنظيمية لإصلاح الوظيفة العمومية وتطويرها حتى تتماشى والتطورات الحاصلة.مثل المرسوم الصادر في 10 يوليوز 1948 القاضي بإعادة ترتيب الوظائف.

ثم جاء الأمر الصادر في 4 يوليوز 1959 والذي يعد بمثابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية بفرنسا، وبذلك يكون قد ألغى الأمر الصادر في 19 أكتوبر 1946 ،وقد جاء تعديل هذا الأمر لعدم وضوح المجال التشريعي والتنفيذي في مرحلة صدوره،لذلك جاء قانون 4 يوليوز 1959 مراعيا في ذلك التلاؤم مع المبادئ التي وضعها دستور 1958 فيما يتعلق بتحديد نطاق اختصاص كل من مجالي التشريع والتنظيم.

كل ذلك كان في مرحلة دوغول،التي عرفت بعودة المجد للسلطة التنفيذية على حساب تراجع هيمنة السلطة التشريعية.

وبالتالي أصبح المشرع يقتصر في وضع القواعد المتعلقة بالضمانات الأساسية الممنوحة لموظفي الدولة المدنيين والعسكريين وذلك بمقتضى المادة 34 من الدستور،بينما حددت المادة 27 منه نطاق الاختصاص التنظيمي فيما عدا ذلك من الأمور.

و تبقى أهم القوانين المؤطرة للوظيفة العمومية تلك التي أدخلها الاشتراكيون عند عودتهم إلى الحكم في ماي 1981،حيث فكروا في وضع قانون جديد للوظيفة العمومية يراعي كل المؤاخذات التي لوحظت على قانون 1959 [13] . وهكذا صدرت عدة قوانين و مراسيم نذكر منها :

- القانون المتعلق بالمقتضيات التنظيمية للوظيفة العمومية.

- المرسوم المتعلق باللجان الإدارية المتساوية الأعضاء.

- المرسوم المتعلق بالمجلس الأعلى للوظيفة العمومية.

- المرسوم المتعلق باللجان التقنية المتساوية الأعضاء.

كل هذه التعديلات جاءت في إطار تدعيم منطق الضمان على منطق الفاعلية،وذلك بتدعيم حقوق الموظفين والتوسع فيها.

الفرع الثاني : الإطار القانوني للوظيفة العمومية بالمغرب .

تعتبر مرحلة الاستقلال بداية التجربة المغربية في إدارة شؤونها الداخلية،في هذه الفترة شكلت سنة 1958 المحطة الرئيسية لنظام الوظيفة العمومية بالمغرب .

فبحصول المغرب على استقلاله كانت الوظيفة العمومية تكتسي طابع التعقيد بما ورثته من سلطات الحماية نتيجة تعقد وتشعب القوانين التي وضعت بشأنها وبطريقة غير مخططة وحسب الحاجيات الظرفية الغابرة، وعلى أثر ذلك اعترضت المسئولين عن الوظيفة العمومية خلال المراحل الأولى من الاستقلال مشكلتان أساسيتان :

مشكلة تكتسي صبغة ظرفية ناتجة عن قلة الأطر المغربية الكفأة . -

- مشكلة أخرى جوهرية تتجلى في أن بنيات الوظيفة العمومية للإدارات التي ورثها المغرب عن الدولة الحامية كانت تتسم بكثير من التعقيد نظرا لارتكازها على التجربة والممارسة التي كانت مقتبسة أساسا من الوظيفة العمومية الفرنسية ، والتي لم يعد لها أي اقتباس بعد الاستقلال [14].

في هذا السياق بدأت تظهر معالم الإطار القانوني للوظيفة العمومية ، وذلك عبر إبرام اتفاقية سنة 1957 من اجل الاستعانة بالأطر الأجنبية من أجل تغطية النقص الحاصل آنذاك .

وفي سنة 1958 تم وضع نظام قانون الوظيفة العمومية بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.58.008 المؤرخ في 24 فبراير1958،ليسري تطبيقه على موظفي الإدارات المركزية والمصالح الخارجية التابعة لها باستثناء رجال القضاء وجنود القوات المسلحة الملكية وهيئة متصرفي وزارة الداخلية ،

واستكمل ذلك النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية بعدة ظهائر ومراسيم وقرارات وزارية.

وبعد صدور هذا النظام الأساسي،تم الاهتمام بإعادة تكوين الأطر الإدارية ورفع مستواها المهني وذلك بإحداث مراكز التكوين الإداري وكذا إنشاء المدرسة الإدارية المغربية سنة 1948 بالرباط ، واستبدل اسمها بالمدرسة الوطنية للإدارة العمومية.

وعمل المغرب على إنشاء وزارة الشؤون الإدارية أنيطت بها مهمة البحث و الدراسة من أجل وضع مخطط للإصلاح الإداري والتي أنشئت سنة 1956 و ضمت إليها الأمانة العامة للحكومة فأدمجتا في وزارة واحدة أصبحت تسمى وزارة الشؤون الإدارية - الأمانة العامة للحكومة ، لكن تم فصلها سنة 1978 [15].

بعد ذلك جاءت مرحلة الإصلاح ،حيث تميزت هذه المرحلة بتبسيط هياكل الأطر وتوحيد الإجراءات المتعلقة بالحياة الإدارية بالإضافة إلى إحداث نظام موحد للتسيير ،كما أن الإصلاح الذي تم سنة 1973 لم يشمل سوى نظام الرواتب والأجور،وأهم ما يمكن تسجيله على هذه الإصلاحات أنها لم تكن شاملة،فقد تميزت بالنظرة القطاعية،فاهتمت بالعنصر البشري وإصلاح وتنظيم الهياكل الإدارية وتبسيط الإجراءات الإدارية.

مادامت جل القوانين المتعلقة بالوظيفة العمومية المغربية مستمدة من القوانين الفرنسية،فإن نظام الوظيفة العمومية بالمغرب شبيه إلى حد ما بالوظيفة العمومية الفرنسية ،كما نجد أغلب نصوص القانون الأساسي للوظيفة العمومية المغربية هو ترجمة حرفية لنصوص وردت في قانون 1946 المعتبر بمثابة أول قانون للوظيفة العمومية في فرنسا ما عدا بعض الاختلافات الناتجة عن طبيعة الخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لكلتا البلدين.



المبحث الثاني : واقع وآفاق إصلاح الوظيفة العمومية بالمغرب .

فكما هو جار به العمل في معظم الدول الديمقراطية والتي سبقتنا في مجال تطوير النصوص القانونية وخاصة في ما يتعلق بنظام الوظيفة العمومية ،حيث تجعلها أداة ناجعة في سير العمل الإداري للدولة ،إلا أنها لا تخلو من نقائص وثغرات تستدعي إعادة النظر لمسايرة حتمية التطور ،كما هو الشأن في جل القوانين والتنظيمات[16]،لأن إنجازات الإدارة تحتاج إلى تطوير بالفعل ، فإلى جانب المصالح التي تعمل بشكل جيد هنالك مصالح تعمل بشكل رديء أولا تعمل بالمرة ،ومما لاشك فيه أن تجاهل هذه الحقيقة لن يقود إلا إلى ترسيخ الفوضى [17] ،مما سنتطرق في المطلب الأول: إلى واقع الوظيفة العمومية بالمغرب .ثم المطلب الثاني :آفاق إصلاح الوظيفة العمومية بالمغرب .

المطلب الأول : واقع الوظيفة العمومية بالمغرب وفرنسا .

تعرف الوظيفة العمومية المغربية وضعية غير مرضية تماما ،لأن هناك مواطن الضعف ومظاهر الخلل المسجلة عليها كثيرة ومتعددة من هياكل بطيئة إلى غياب الجدارة والمساواة في التوظيف ، إلى كثرة النصوص المنظمة لهذا المجال وقدمها ،وبتالي سنتطرق إلى أهم الإشكالات التي تعرفها الوظيفة العمومية وهي كثيرة .

الفرع الأول :قدم النصوص القانونية المتحكمة في الوظيفة العمومية وتعددها :

بعد تفحص أهم النصوص التي تهم الموظفين نستنتج أنها تنقسم إلى قسمين:

ـ النصوص العامة أو المشتركة التي تهم جميع الموظفين (حتى العسكريين)، عددها 18 بالإضافة إلى الدستور. تتوزع هذه النصوص إلى 4 ظهائر 13 مرسوما وقانون واحد، ويعتبر الظهير رقم 1.58.008 بتاريخ 24 فبراير 1958 بمثابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية من أهم التشريعات.

ـ النصوص الخاصة ببعض فئات الموظفين: الأعوان العموميون، الإعلاميون، المهندسون، الإعلامائيون، التقنيون، المتصفون، موظفو وزارة التعليم، الباحثون في التعليم العالي، الأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان، وزارة الصحة، موظفو الجماعات المحلية ... إن هذه النصوص عديدة ومتنوعة وقد تحمل مفاهيم مختلفة من فئة إلى أخرى.

أقدمها النظام الأساسي ،مما يعني أنه متجاوز ولا يمكن أن يتجاوب مع مقتضيات العصر والتغييرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي طرأت على المغرب خلال هذه السنوات.

ثم أنها قوانين معقدة ومتشعبة حيث تختلف المسارات الوظيفية من فئة إلى أخرى ويكفي في هذا الصدد أن نقارن طرق الترقية التي تتحكم في كل من الأعوان العموميين وفئة التقنيين والإداريين لنكتشف غياب الموضوعية في التشريع المتحكم في الوظيفة العمومية ،ثم أنها تحد من مبادرة الموظف بحكم واجب الطاعة والامتثال لتعليمات وأوامر الرؤساء مما يركز الثقافة السلطوية بدل ثقافة التواصل التي تحفز على البذل والعطاء والتشارك والمشاركة الفعالة والمسؤولة للموظف [18].

إلا أن قانون الوظيفة الفرنسي عرف تطورا ملموس على مستوى تجديد النصوص لكي يتماشى والتطور الحديث للدولة ،حيث عرف النظام الأساسي ل4فبراير 1959 الذي ألغى التشريع الصادر في 19 أكتوبر 1946 ، ولعل السبب في إصدار النظام الجديد هو الرغبة في أن يتلاءم قانون الوظيفة العمومية مع المبادئ التي وضعها دستور 1959 فيما يتعلق بتحديد نطاق كل من التشريع واللوائح ، وكذلك النص على القواعد العامة التي تحكم الموظفين وبيان حقوقهم والتزاماتهم لضمان السير المطرد والفعال للمرفق العام .

وتوالت القوانين المعدلة والمتممة لقانون 1959 ،حيث صدر في 13يوليوز1983 قانون قضى بتعديل وتتميم العديد من نصوص قانون 4فبراير1959،ثم قانون 26يناير1984 [19].

فمراجعة بعض مقتضيات النظام الأساسي وإصلاح مسطرة الإلحاق ، والتوقيف المؤقت ، والوضع رهن الإشارة ، مهما كانت ضرورية لا تشكل سوى حل جزئي للخلل الذي تعاني منه الوظيفة العمومية،فهذا الأخير له جذور اقتصادية ناجمة عن هزالة الأجور ،بل له أيضا أسباب اجتماعية وتجليات مزعجة [20].

الفرع الثاني : إشكاليات التوظيف والمغادرة الطوعية .

الفقرة الأولى : التوظيف .

قد كان حجم التوظيفات في السنوات الأولى كبيرا ، وفي فترة وجيزة مما أثار مشاكل عويصة ذات طابع اجتماعي من جهة ، وعلى مستوى أداء الخدمة والكفاءة من جهة أخرى لما ساده من عدم المساواة والجدارة في التوظيف .

إلا أن مجال التوظيف في ما يتعلق بالوظيفة العمومية الجماعية ستعرف تطور مهولا ما بين 1977 و 1993 ، وخاصة سنة 1990 لتشغيل الشباب العاطل ،حيث عمقت مشكل التكوين والفعالية في العمل ، وذلك بعدم أخذ بعين الاعتبار حجم نفقات الجماعات المحلية ، وما يمكن أن تشكله هذه التوظيفات من عبئ كبير على مجموعة من الجماعات ، خصوصا تلك التي تعاني من نقص في المداخيل ، أو التي ليس لها مداخيل ،إضافة إلى أن هذا الكم الهائل من أصحاب الشهادات الذين وظفوا خلال هذه العملية ، ووزعوا على مختلف الجماعات بالمغرب لم يخضعوا لأي تكوين ،فإذا كان الهاجس من وراء هذه العملية ،هو امتصاص البطالة التي تفشت بشكل خطير خلال هذه المرحلة في صفوف أصحاب الشهادات العليا ، وذلك بإدماج العديد منهم في أسلاك الوظيفة العمومية ،فإن الجانب السلبي لهذه العملية ،هو أنها أثقلت كاهل ميزانيات الجماعات المحلية ، ولم تحد من ظاهرة البطالة والدليل على هذا هو أن العاطلين أصحاب الشهادات قد تضاعفوا بشكل كبير [21] .

الفقرة الثانية : المغادرة الطوعية .

كثر الحديث منذ بداية 2005 عن عملية المغادرة الطوعية خلال سنة 2005 والتي تستهدف إحالة حوالي 30 ألف موظف عمومي على التقاعد المبكر. والمبرر أن هذه العملية ستقلص من نسبة نفقات التسيير مما يخفف من الأعباء المالية للميزانية، الشيء الذي سيؤدي إلى حركية اقتصادية تمتص نسبة من الأيدي العاملة المعطلة خصوصا حملة الشهادات العليا.

فمنذ صدور تقرير البنك الدولي سنة 1995 ما فتئ عدد كبير من الاقتصاديين والمسئولين المغاربة يدعون في إطار المفهوم الانكماشي للعقلنة إلى التقليص من حجم كثلة الرواتب والأجور السائدة في القطاع العمومي، معتبرين بأن تسريح أعداد كبيرة من موظفي الإدارات العمومية أو تجميد التوظيف العمومي من شأنه أن يرفع من درجة كفاءة الإنجاز

في القطاع العمومي.

لكن التجربة التي عاشتها بلادنا في إطار سياسة التقويم الهيكلي والمتمثلة في تجميد مستوى المرتبات والأجور والحد من التوظيف العمومي .. الخ ترتبت عنه آثار ومشاكل اجتماعية واقتصادية لا يستهان بها. فقد عمقت هذه الوضعية من حالة الكساد. علما بأن أجور الموظفين وإن كانت تشكل أهم وأكبر بنود الإنفاق العمومي الجاري في الميزانية العامة، إلا أنها من ناحية أخرى تعتبر المصدر الأساسي لإنفاقهم، وبالتالي فإن تخفيضها من خلال تجميد الأجور والتوظيف ، من هنا يمكن التساؤل حول واقع الرواتب والأجور في قطاع الوظيفة العمومية وهل تشكل فعلا عبئا على الميزانية العامة للدولة؟ البحث هنا لا يستهدف هذه الرواتب والأجور من حيث الكم، بل الغاية تكمن في دورها الاجتماعي وفي الخلفيات التي جعلتها تتفاقم وبالتالي يتم العمل على تقليصها، ولعل كل هذه الأشياء من شأنها خلق أوضاع اقتصادية واجتماعية جديدة [22] .

الفرع الثالث : علاقة الموظف بالحياة السياسية ومدى ممارسته حق الإضراب.

الفقرة الأولى : علاقة الموظف بالحياة السياسية .

ينصب الموظف في وظيفته من أجل خدمة المواطنين وتلبية رغباتهم وقضاء حاجياتهم في نطاق الصالح العام ،فهو إذن مطالب بالاتصال بهم أي الدخول في علاقات معهم خصوصا بالمدارين الذين يتوافدون على الإدارة لحل مشاكلهم .

ومن المسلم به أن السلطة تبحث دائما في شغر إدارتها بموظفين أوفياء من أجل ضمان فعالية عملها وازدهار مردودية نشاطها .ولتحقيق هذا الهدف فإنها تسعى إلى إضفاء مسحة سياسية نوعا ما على قطاع الوظيفة العمومية التي تشرف عليه لتجعله خاضعا للأوامر ومنفذا لإستراتيجيتها .

غير أن هذا التسييس يمكن أن يأخذ صورة مطلقة في الأنظمة الدكتاتورية التي لا تعرف لفصل السلط تطبيقا أو أن يكون في صورة طفيفة في الأنظمة الديمقراطية التي تسعى إلى وضع العمل السياسي في منأى عن مجتمع الوظيفة العمومية عملا بواجب التحفظ .

ولقد انتشرت ظاهرة تسييس الوظيفة العمومية واحتلت مجالا واسعا في هذا القطاع منذ حصول المغرب على استقلاله بحيث استحوذت الأحزاب السياسية على دواليب الإدارة ، وعن طريقهم أصبحت تتحكم في الإدارة العمومية وفي مسار نشاطها [23].

وبالتالي فالموظف يجسد في الواقع تمثيل السلطة السياسية على صعيد الإدارة التي ـ هي أصلا الموظف ـ رهن إشارة الحكومة قبل أن يكون عونا خاضعا للسلطة الرئاسية ينفذ أوامرها ،ورغم أن القانون اعترف له بنوع من الحريات السياسية كحقه في الانتماء السياسي أو النقابي ،فإنه محكوم عليه بالولاء إلى هذه السلطة السياسية والخضوع لها .

ولنا عبرة في صفحات تاريخ الوظيفة العمومية بالمغرب التي يستنتج من قراءتها أن هذا الولاء يشكل واجبا من واجبات الوظيفة مطالب به الموظف وذلك منذ نشأة الإدارة ،وهذا راجع لسببين أساسيين :

أ ـ إن الإدارة المغربية في عهد ما قبل الحماية كانت بمثابة آلة في يد السلطان وتحت نفوذه ، الشيء الذي يضع الموظف في مركز الطاعة المطلقة لها ،بحيث لا يزاول مهامه إلا في نطاقها وتبعا لميولها السياسي. وهذا الاتجاه لم يختف حتى في عهد الحماية بل ازداد تشددا وصرامة بحيث أن سياسة التوظيف التي كانت تنهجها تستوجب بأن يكون الموظف وفيا لمبادئها .

ب ـ يمكن كذلك أن تبرير خضوع الموظفين للسلطة السياسية في كون ماهية العمل الإداري تتجلى في تحقيق المصلحة العامة التي تنشدها وتحدد مضامينها هذه السلطة ،ذلك أن مهام الموظفين ما هي إلى مهاما ترمي إلى بلورة إرادة الحكومات وتطبيق اتجاهاتها على صعيد الواقع [24].

وبعبارة أوضح فإن تسييس الوظيفة العمومية له مظاهره في العمل الذي يقوم به الموظف ،هذا العمل الذي ينبغي أن يطابق الاختيارات السياسية للحكومات التي تتولى تسيير دفة الحكم في البلاد [25] .

ومما لا شك فيه أن مدى هذا التطابق يتكيف مع النظام السياسي الذي تنهجه الدولة .

الفقرة الثانية : ممارسة حق الإضراب .

بالرغم من مشروعية حق الإضراب إلا أن هناك بعض القيود التي وضعت على ممارستهم هذا الحق ، وهو ما تنبهت إليه تشريعات الدول المتقدمة منذ قرن ونصف من الزمان وما أقرته مواثيق وعهود حقوق الإنسان الدولية بعد ذلك .

والواقع أن مشكلة الإضراب لم تكن دائما محل معالجة واضحة، فمن الأنظمة :

- من تعترف به وتقيده بضوابط قانونية وإدارية وقضائية صارمة.

- ومنها من تقف منه موقف بين عدم حضره وعدم الترخيص .

- ومنها من تحضره بصفة مطلقة.

أولا : ممارسة حق الإضراب في الدراسات المقارنة .

1 ـ التجربة الفرنسية .

تعتبر فرنسا الآن من البلدان التي يمارس فيها حق الإضراب بصفة واسعة وذلك رغم القيود الدستورية والقانونية والإدارية والقضائية المحيطة بالترخيص له.

فبعد حضره لمدة طويلة بالنسبة للموظفين للأسباب المذكورة أعلاه ( تعارضه مع مبدأ استمرارية المرافق العمومية ) فإن دستور 27 أكتوبر 1946 كرس لأول مرة الاعتراف به في إطار القوانين والتنظيمات التي قد تضبط ممارسته- فلكل الأجراء الحق في اللجوء إلى الإضراب شريطة أن لا يتعسف في استعماله لاسيما لأسباب غير مهنية [26] وقد أخذ مجلس الدولة بهذه القاعدة بالنسبة للموظفين رغم أنه من الصعوبة بمكان التأكد من الطابع المهني للإضراب.

إلا أن القوانين التي صدرت بهذا الشأن [27] تطبيقا للدستور جاءت متأخرة ولم تشكل في نظر القضاء نصوصا شاملة ومتكاملة من شأنها أن تحيط بمختلف أبعاد الموضوع، الأمر الذي حمل مجلس الدولة على القول " أمام هذا العجز القانوني والتقصير البرلماني في سده يرجع إلى السلطة التنفيذية أن تتدخل تحت رقابة القضاء لوضع الضوابط التي ينبغي احترامها في حالة الإضراب [28] وبقي هذا المبدأ ساري المفعول حتى بعد صدور قانون 31 يوليوز 1963[29] . أما إذا استهدف الإضراب أغراضا سياسية أو أغراضا أخرى فإنه يضحي غير مشروع‏،‏ وهذا ما استقر عليه مجلس الدولة الفرنسي منذ حكم ‏Dehaen ـ والأحكام اللاحقة له ـ والذي قام على أنه ولئن كان حق الإضراب معترفا به في فرنسا منذ عام‏1946‏ إلا أن هذا الحق يمكن أن ترد عليه القيود بسبب مقتضيات سير المرافق العامة‏.‏

وفى الخلاصة يمكن القول بان حق الإضراب في الوظيفة العمومية الفرنسية مقيد بضرورة التوفيق بين مقتضيات الاستمرارية الإدارية والنظام العام من جهة وبالسهر قدر الإمكان على احترام الحريات العمومية المعترف بها للموظفين من جهة أخرى. الأمر الذي قد ينتج عنه:

- حضر الإضراب بالنسبة لفئات معينة من الموظفين إما بناء على طبيعة المهمة المسندة إليهم أو الرتبة التي يحتلونها.

- أو إلزامية ضمان الحد الأدنى من الخدمة العمومية وتحديد قائمة المناصب التي لا يمكن بالنسبة لمختلف المصالح أن ينقطع بها العمل وبالتالي أن يمارس أصحابها حق الإضراب.

وفى كل الأحوال يرجع إلى القضاء السهر على التوازن الذي ينبغي أن يسود باستمرار بين متطلبات السير الحسن للخدمة العمومية واحترام حريات الأفراد.

2 ـ التجربة البريطانية .

لا يوجد أي نص تشريعي أو قضائي يقضي بالترخيص أو بالحضر لممارسة حق الإضراب في بريطانيا الأمر الذي يوحي بتأويلات متعددة ولا سيما بأحد التفسيرين التاليين :

- الأول يشير بأن كل ما هو ليس محضورا بالنسبة للنظام الليبرالي يفترض الترخيص له بصفة ضمنية.

- أما الثاني فمفاده أن الإضراب سلوك لا يتفق وصفة الموظف العام وطبيعة المهام المسندة إليه ، وعليه فان ممارسته مرهونة بالترخيص له بصفة صريحة.

3 ـ حق الإضراب في الولايات المتحدة الأمريكية .

لا يحق للموظفين الفدراليين أن يمارسوا حق الإضراب في الولايات المتحدة الأمريكية ، بل هم يلتزمون بالامتناع عن الإضراب من خلال اليمين الذي هم مطالبون بأدائه إثر توظيفهم. والنقابات التي تطالب بهذا الحق لا يمكن الاعتراف بها . وقد طرح هذا المشكل بحدة سنة 1981 بمناسبة الإضراب الذي شنته نقابة مراقبي الأرصاد الجوية فقد عالج الرئيس ريغان (Reagan ) هذه القضية بصرامة لم تتوقعها هذه المنظمة التي تعد من المنظمات التي أيدت انتخابه سنة من قبل حيث أقر تسريح 11000 موظفا ( من بين 15000 ) وأحل محلهم أفرادا من الجيش بصفة مؤقتة حتى يتسنى تكوين مستخلفي الأعوان المسرحين. وربما ساهمت هذه الصرامة على الحد النهائي من مثل هذه المحاولات.

4 ـ الإضراب في التشريع المصري .

نص الدستور المصري لعام 1971 في الباب الأول منه على مجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحت عنوان المقومات الأساسية للمجتمع اجتماعيا واقتصاديا. وقد نص الدستور في مادته 54 أنه للمواطنين حق الاجتماع الخاص في هدوء غير حاملين سلاحا ودون إخطار مسبق،ولا يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة،وأن الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون. و ينص قانون العقوبات المصري في مادته 124 على أنه إذا ترك ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم ولو في صوره الاستقالة أو امتنعوا عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم ،متفقين على ذلك أو مبتغين منه تحقيق غرض مشترك ،عوقب كل منهم بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنة وبغرامة لا تزبد على مائه جنيه ،ويضاعف الحد الأقصى لهذه العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شانه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر ،أو كان من شانه أن يحدث اضطرابا أو فتنة بين الناس أو اضر بمصلحة عامة.ويقرر فقهاء القانون أن هذه المادة تناقض تصديق مصر على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي يبيح حق الإضراب عن العمل.

ثانيا : حق الإضراب في الوظيفة العمومية بالمغرب .

يضمن الدستور المغربي الحق النقابي، إذ ينص الفصل التاسع منه على " حرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة نقابية وسياسية " ، أما الفصل 14 فيؤكد على أن حق الإضراب مضمون. وسيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق ، كما أن النظام الأساسي للوظيفة العمومية، يؤكد في الفصل 14 منه على ما يلي : " يمارس الموظف الحق النقابي ضمن الشروط المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل " [30].

ويعتبر الإضراب من الوسائل التي تلجأ إليها النقابات قصد الاستجابة لمطالبها. إلا أن مسألة الإضراب مازالت تثير جدلا كثيرا، لوجود عدة نصوص قانونية مختلفة، وغياب قانون تنظيمي للإضراب من جهة، وممارسة هذا الحق من طرف الموظفين من جهة أخرى. وهذا يفرض معالجة حق الإضراب من خلال النص القانوني والممارسة من جهة، وموقف المجلس الأعلى و القضاء الإداري من حق الإضراب من جهة ثانية.

1 ـ حق الإضراب بين النص القانوني والممارسة.

النقاش القانوني المرتبط بحق الإضراب، يثير الكثير من الجدل والتساؤلات التي مازالت مستمرة، منذ الستينيات وإلى الآن، ويعود السبب إلى وجود عدة نصوص قانونية متناقضة في الموضوع و إصدار المجلس الأعلى أحكاما مرتبطة بممارسة حق الإضراب. ويرجع أصل الجدل حول حق الإضراب في الوظيفة العمومية إلى نص الفصل الخامس من مرسوم 5 فبراير 1958 المتعلق بمباشرة الموظفين للحق النقابي والذي جاء فيه:" كل توقف عن العمل بصفة مدبرة وكل عمل جماعي أدى إلى عدم الانقياد بصفة بينة يمكن المعاقبة عليه علاوة على الضمانات التأديبية ويعم هذا جميع الموظفين". وقد صدر هذا الظهير قبل وضع دستور 14 دجنبر 1962 . هذا الأخير الذي ينص في فصله 14 على أن حق الإضراب مضمون ، وسيتم تأكيد هذا الفصل في الدساتير اللاحقة في: 1962 و1970و1972 و 1992 والدستور الحالي لسنة 1996. لهذا يؤكد غالبية الملاحظين على الفصل 14 من الدستور الصادر سنة 1962 يلغي مرسوم 5 مايو1958 الذي"يحرم"الإضراب في الوظيفة العمومية [31].

إلا أن هناك آراء أخرى، وإلى حدود أواسط الثمانينات، تعتبر الإضراب في الوظيفة العمومية غير قانوني، وذلك لعدم صدور قانون تنظيمي ينظمه وهو الشيء الذي لم يتم لحد الآن. وتستند تلك الآراء على تأويل للنص الفرنسي للمادة 14 من الدستور الذي جاء فيها أن حق الإضراب يضل مضمونا، ويعني هذا، في نظرهم، أنه يبقى مضمونا في القطاع الخاص. كما نجد الحكومة تعتبر دائما، الإضراب في الوظيفة العمومية غير مشروع ارتكازا على الفصل الخامس من مرسوم 5 فبراير1958. ونذكر على سبيل المثال منشور الوزير الأول رقم 5-319 بتاريخ 17 أبريل 1979 وكان ذلك بمناسبة إضرابات رجال التعليم والصحة في أبريل 1979. ويعرف النقاش القانوني والفقهي انتعاشا عند حدوث كل إضراب من جهة، و اقتطاع الإدارة من أجور الموظفين أو عزلهم من جهة ثانية بمناسبة الإضراب عن العمل.

لقد حرص الموظفون بالمغرب على ممارسة حق الإضراب في عدة مناسبات للضغط على الحكومة للاستجابة للملفات المطلبية المطروحة من طرف منظماتهم النقابية، ويجب أن نشير إلى أن ممارسة الإضراب في عدة محطات من تاريخ المغرب أدى إلى طرد العديد من الموظفين من الوظيفة العمومية؛ مثل طرد موظفي وزارة الخارجية المض